فصل: تفسير الآيات (114- 115):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (114- 115):

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)}
{ولا تعجل بالقرآن} كان إذا نزل جبريل عليه السَّلام بالوحي يقرؤه مع جبريل عليه السَّلام مخافة النِّسيان، فأنزل الله سبحانه: {ولا تعجل بالقرآن} أَيْ: بقراءته {من قبل أن يقضى إليك وحيه} من قبل أن يفرغ جبريل ممَّا يريد من التَّلاوة {وقل رب زدني علماً} بالقرآن، وكان كلمة نزل عليه شيء من القرآن ازداد به علماً.
{ولقد عهدنا إلى آدم} أمرنا وأوصينا إليه {من قبل} هؤلاء الذين تركوا أمري، ونقضوا عهدي في تكذيبك {فنسي} فترك ما أمر به {ولم نجد له عزماً} حفظاً لما أُمر به.

.تفسير الآيات (119- 122):

{وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}
{ولا تضحى} أَيْ: لا يؤذيك حرُّ الشَّمس. وقوله: {شجرة الخلد} يعني: مَنْ أكل منها لم يمت. وقوله: {فغوى} فأخطأ ولم ينل مراده ممَّا أكل. ويقال: لم يرشد.
{ثم اجتباه} اختاره {ربه فتاب عليه} عاد عليه بالرَّحمة والمغفرة {وهدى} أي: هداه إلى التَّوبة.

.تفسير الآيات (124- 125):

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)}
{من أعرض عن ذكري} موعظتي، وهي القرآن {فإنَّ له معيشة ضنكاً} ضيقى.
يعني: في جهنَّم وقيل: يعني عذاب القبر. {ونحشره يوم القيامة أعمى} البصر. {قال ربِّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً}.

.تفسير الآيات (126- 131):

{قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)}
{قال كذلك أتتك آياتنا} يقول: كما أتتك آياتي {فنسيتها} فتركتها ولم تؤمن بها {وكذلك اليوم تنسى} تُترك في جهنَّم.
{وكذلك} وكما نجزي مَنْ أعرض عن القرآن {نجزي مَنْ أسرف} أشرك.
{ولعذاب الآخرة أشدُّ} ممَّا يُعذِّبهم به في الدُّنيا والقبر {وأبقى} وأدوم.
{أفلم يهد لهم} أفلم يتبيَّن لهم بياناً يهتدون به {وكم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون} هؤلاء إذا سافروا في مساكن أولئك الذين أهلكناهم بتكذيب الأنبياء {إنَّ في ذلك لآيات} لعبراً {لأولي النهى} لذوي العقول.
{ولولا كلمة سبقت من ربك} في تأخير العذاب عنهم {لكان لزاماً} لكان العذاب لازماً لهم في الدُّنيا {وأجل مسمى} وهو القيامة. وقوله: {وسبح بحمد ربك} صلِّ لربِّك {قبل طلوع الشمس} صلاة الفجر {وقبل غروبها} صلاة العصر {ومن آناء الليل فسبح} فصلِّ المغرب والعشاء الآخرة {وأطراف النهار} صلِّ صلاة الظُّهر في طرف النِّصف الثاني، وسمَّى الواحد باسم الجمع {لعلك ترضى} لكي ترضى من الثَّواب في المعاد.
{ولا تمدنَّ عينيك} مُفسَّر في سورة الحجر. وقوله: {زهرة الحياة الدنيا} أَي: زينتها وبهجتها {لنفتنهم فيه} لتجعل ذلك فتنةً لهم {ورزق ربك} لك في المعاد {خير وأبقى} أكثر وأدوم.

.تفسير الآيات (132- 135):

{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)}
{وأمر أهلك بالصلاة} يعني: قريشاً. وقيل: أهل بيته {لا نسألك رزقاً} لخلقنا ولا لنفسك {نحن نرزقك والعاقبة} الجنَّة {للتقوى} لأهل التَّقوى. يعني: لك ولمن صدَّقك، ونزلت هذه الآيات لمَّا استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهوديٍّ وأبى أن يعطيه إلاَّ برهنٍ، وحزن لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وقالوا} يعني: المشركين {لولا} هلاَّ {يأتينا} محمَّد عليه السَّلام {بآية من ربه} ممَّا كانوا يقترحون من الآيات. قال الله: {أَوَلَمْ تأتهم بيِّنة} بيان {ما في الصحف الأولى} يعني: في القرآن بيان ما في التَّوراة والإِنجيل والزَّبور.
{ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله} من قبل نزول القرآن. وقوله: {من قبل أن نذل} بالعذاب {ونخزى} في جهنَّم.
{قل} يا محمَّد لهم: {كلٌّ متربص} منتظرٌ دوائر الزَّمان، ولمَنْ يكون النَّصر {فتربصوا فستعلمون} في القيامة {من أصحاب الصراط السويّ} المسقيم {ومن اهتدى} من الضَّلالة نحن أم أنتم.

.سورة الأنبياء:

.تفسير الآيات (1- 3):

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)}
{اقترب للناس} يعني: أهل مكَّة {حسابهم} وقت محاسبة الله إيَّاهم على أعمالهم. يعني: القيامة {وهم في غفلة} عن التَّأهُّب لذلك {معرضون} عن الإِيمان.
{ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} يعني: ما يحدث الله تعالى من تنزيل شيءٍ من القرآن يُذكِّرهم ويعظهم به {إلاَّ استمعوه وهم يلعبون} يستهزئون به.
{لاهية} غافلةً {قلوبهم وأسروا النجوى} قالوا سرّاً فيما بينهم {الذين ظلموا} أشركوا، وهم أنَّهم قالوا: {هل هذا} يعنون محمَّداً {إلاَّ بشرٌ مثلكم} لحمٌ ودمٌ {أفتأتون السحر} يريدون: إنَّ القرآن سحرٌ {وأنتم تبصرون} أنَّه سحر، فلمَّا أطلع الله سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم على هذا السِّرِّ الذي قالوه، أخبر أنَّه يعلم القول في السَّماء والأرض.

.تفسير الآيات (4- 8):

{قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)}
{قل ربي يعلم القول} أَيْ: ما يقال {في السماء والأرض وهو السميع} للأقوال {العليم} بالأفعال، ثمَّ أخبر انَّ المشركين اقتسموا القول في القرآن، وأخذوا ينقضون أقوالهم بعضها ببعض، فيقولون مرَّةً: {أضغاث أحلام} أَيْ: أباطيلها. يعنون أنَّه يرى ما يأتي به في النَّوم رؤيا باطلة، ومرَّةً هو مفترىً، ومرَّةً هو شعرٌ، ومحمَّد شاعرٌ {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} بالآيات، مثل: النَّاقة، والعصا، واليد، فاقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهالٌ إذا كُذِّب بها، فقال الله تعالى: {ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها} بالآيات التي اقترحوها {أفهم يؤمنون} يريد: إنَّ اقتراح الآيات كان سبباً للعذاب والاستئصال للقرون الماضية، وكذلك يكون لهؤلاء.
{وما أرسلنا قبلك إلاَّ رجالاً نوحي إليهم} ردّاً لقولهم {هل هذا إلاَّ بشر مثلكم}. {فاسألوا} يا أهل مكَّة {أهل الذكر} مَنْ آمن من أهل الكتاب {إن كنتم لا تعلمون} أنَّ الرُّسل بشر.
{وما جعلناهم} أي: الرُّسل {جسداً} أَيْ: أجساداً {لا يأكلون الطعام} وهذا ردٌّ لقولهم: {ما لهذا الرسول يأكل الطعام} فأُعلموا أنَّ الرُّسل جميعاً كانوا يأكلون الطَّعام، وأنَّهم يموتون، وهو قوله: {وما كانوا خالدين}.

.تفسير الآيات (9- 15):

{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)}
{ثم صدقناهم الوعد} ما وعدناهم من عذاب مَنْ كفر بهم، وإنجائهم مع مَنْ تابعهم، وهو قوله: {فأنجيناهم ومَنْ نشاء وأهلكنا المسرفين} المشركين.
{لقد أنزلنا إليكم} يا معشر قريش {كتاباً فيه ذكركم} شرفكم {أفلا تعقلون} ما فضَّلكم به على غيركم؟!
{وكم قصمنا} أهلكنا {من قرية كانت ظالمة} يعني: إنَّ أهلها كانوا كفَّاراً {وأنشأنا} أحدثنا {بعدها} بعد إهلاك أهلها {قوماً آخرين} نزلت في أهل قرىً باليمن كذَّبوا نبيَّهم وقتلوه، فسلَّط الله سبحانه عليهم بختنصَّر حتى أهلكهم بالسَّيف، فذلك قوله: {فلما أحسوا بأسنا} رأوا عذابنا {إذا هم منها} من قريتهم {يركضون} يسرعون هاربين. وتقول لهم الملائكة.
{لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه} نَعِمْتُم فيه {لعلكم تسألون} من دنياكم شيئاً. قالت الملائكة لهم هذا على سبيل الاستهزاء بهم، كأنَّهم قيل لهم: ارجعوا إلى ما كنتم فيه من المال والنِّعمة لعلكم تُسألون، فإنَّكم أغنياء تملكون المال، فلمَّا رأَوا ذلك أقرُّوا على أنفسهم حيث لم ينفعهم، فقالوا: {يا ويلنا إنا كنا ظالمين} لأنفسنا بتكذيب الرُّسل.
{فما زالت} هذه المقالة {دعواهم} يدعون بها، ويقولون: يا ويلنا {حتى جعلناهم حصيداً} بالسُّيوف كما يحصد الزَّرع {خامدين} ميِّتين.

.تفسير الآيات (16- 23):

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)}
{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} عبثاً وباطلاً، أَيْ: ما خلقتهما إلاَّ لأُجازي أوليائي، وأُعذِّب أعدائي.
{لو أردنا أن نتخذ لهواً} امرأةً. وقيل: ولداً {لاتخذناه من لدنا} بحيث لا يظهر لكم، ولا تطَّلعون عليه {إن كنا فاعلين} ما كنَّا فاعلين، ولسنا ممَّن يفعله.
{بل نقذف بالحق على الباطل} نُلقي القرآن على باطلهم {فيدمغه} فيذهبه ويكسره {فإذا هو زاهقٌ} ذاهبٌ {ولكم الويل} يا معشر الكفَّار {مما تصفون} الله تعالى بما لا يليق به.
{وله من في السموات والأرض} عبيداً وملكاً {ومَنْ عنده} يعني: الملائكة {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} لا يملُّون ولا يعيون.
{يسبحون الليل والنهار لا يفترون} لا يضعفون.
{أم اتخذوا آلهةً من الأرض} يعني: الأصنام {هم ينشرون} يحيون الأموات، والمعنى: أَتنشر آلهتهم التي اتَّخذوها؟
{لو كان فيهما} في السَّماء والأرض {آلهةٌ إلاَّ اللَّهُ} غير الله {لفسدتا} لخربتا وهلك مَنْ فيهما بوقوع التَّنازع بين الآلهة.
{لا يُسأل عما يفعل} عن حكمه في عباده {وهم يُسألون} عمَّا عملوا سؤال توبيخ.

.تفسير الآيات (24- 35):

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)}
{أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم} حجَّتكم على أن مع الله تعالى معبوداً غيره. {هذا ذكر مَنْ معي} يعني: القرآن {وذكر مَنْ قبلي} يعني: التَّوراة والإِنجيل، فهل في واحدٍ من هذه الكتب إلاَّ توحيد الله سبحانه وتعالى؟ {بل أكثرهم لا يعلمون الحق} فلا يتأمَّلون حجَّة التَّوحيد، وهو قوله: {فهم معرضون}.
{وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ...} الآية. يريد: لم يُبعثْ رسولٌ إلاَّ بتوحيد الله سبحانه، ولم يأتِ رسولٌ أُمّته بأنَّ لهم إلهاً غير الله.
{وقالوا اتخذ الرحمن ولداً} يعني: الذين قالوا: الملائكة بنات الله، والمعنى وقالوا: اتَّخذ الرحمن ولداً من الملائكة {سبحانه} ثمَّ نزَّه نفسه عمَّا يقولون {بل} هم {عباد مكرمون} يعني: الملائكة مكرمون بإكرام الله إيَّاهم.
{لا يسبقونه بالقول} لا يتكلَّمون إلاَّ بما يأمرهم به {وهم بأمره يعملون}.
{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} ما عملوا، وما هم عاملون {ولا يشفعون إلاَّ لمن ارتضى} لمن قال: لا إله إلاَّ الله {وهم من خشيته مشفقون} خائفون؛ لأنَّهم لا يأمنون مكر الله.
{ومَنْ يقل منهم} من الملائكة {إني إلهٌ من دونه} من دون الله تعالى {فذلك نجزيه جهنم} يعني: إبليس حيث ادَّعى الشِّركة في العبادة، ودعا إلى عبادة نفسه {كذلك نجزي الظالمين} المشركين الذين يعبدون غير الله تعالى.
{أَوَلَمْ يَر} أولم يعلم {الذين كفروا أنَّ السموات والأرض كانتا رتقاً} مسدودةً {ففتقناهما} بالماء والنَّبات، كانت السَّماء لا تُمطر، والأرض لا تُنبت، ففتحهما الله سبحانه بالمطر والنَّبات {وجعلنا من الماء} وخلقنا من الماء {كلَّ شيء حي} يعني: إنَّ جميع الحيوانات مخلوقةٌ من الماء، كقوله تعالى: {والله خلق كلَّ دابَّةٍ من ماءٍ} ثمَّ بكَّتهم على ترك الإيمان، فقال: {أفلا يؤمنون}. وقوله: {وجعلنا فيها} في الرَّواسي {فجاجاً سبلاً} طرقاً مسلوكةً حتى يهتدوا.
{وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً} بالنُّجوم من الشَّياطين {وهم عن آياتها} شمسها وقمرها ونجومها {معرضون} لا يتفكَّرون فيها. وقوله: {كلٌّ في فلك يسبحون} يجرون ويسيرون، والفَلَكُ: مدار النُّجوم.
{وما جَعَلْنا لبشر من قبلك الخلد} دوام البقاء {أفإن مت فهم الخالدون} نزل حين قالوا: {نتربَّصُ به ريَب المنون} وقوله: {ونبلوكم} نختبركم {بالشر} بالبلايا والفقر {والخير} المال والصِّحة {فتنة} ابتلاءً لننظر كيف شكركم وصبركم.